فصل: القول السادس:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المدخل لدراسة القرآن الكريم



.القول الرابع:

إن الأحرف السبعة هي لغات سبع متفرقة في القرآن كله، وهذه السبع قيل: إنها من لغات العرب كلها، وقيل: من لغات مضر.
وليس معنى هذا القول: أن يكون في المعنى الواحد سبع لغات بألفاظ مختلفة كالرأي السابق، بل هذه اللغات متفرقة في القرآن كله، فبعضه بلغة وبعضه بلغة أخرى، وهكذا... إلى سبع، فيكون المنزل لفظا واحدا لمعنى واحد من لغات متفرقة، وقد استند القائلون بهذا الرأي إلى ما يأتي:
1- وجود ألفاظ في القرآن المقروء اليوم بغير لغة قريش.
2- ما روي عن ابن عباس وعمر رضي الله عنهما من عدم فهمهما لبعض الكلمات القرآنية، فقد خفي على ابن عباس معنى قوله تعالى: {فاطِرِ السَّمواتِ وَالْأَرْضِ} حتى اختصم إليه أعرابيان في بئر، فقال أحدهما: أنا فطرتها، أي ابتدأتها، فعلم معناها وكذلك خفي عليه معنى: {رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفاتِحِينَ} حتى سمع بنت ذي يزن تقول: تعال أفاتحك، تريد أقاضيك وأخاصمك فعلم معناها، وكذلك خفي على الفاروق معنى {تَخَوُّفٍ} في قوله: {أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ} والمراد بـ الأب في قوله تعالى: {وَفاكِهَةً وَأَبًّا} مع أنهما قرشيان، فدل ذلك على أن القرآن فيه ألفاظ بغير لغة قريش.
وإلى هذا القول ذهب أبو عبيد القاسم بن سلام وثعلب، وأبو حاتم السجستاني واختاره ابن عطية وقال الأزهري في التهذيب: إنه المختار، وقد ذكر السيوطي أن الزهري ممن قال بهذا: وهو غير صحيح، فظاهر مقالة الزهري المروية في صحيح مسلم تشهد لاختياره للقول السابق الذي رجحناه، قال الإمام النووي أثناء ذكره لأقوال العلماء في السبعة الأحرف: وقال آخرون: هي الألفاظ والحروف، وإليه أشار ابن شهاب بما رواه عنه مسلم في الكتاب.
وإليك ما قال أبو عبيد في تحرير هذا القول: ليس المراد أن كل كلمة تقرأ على سبع لغات، بل اللغات السبع متفرقة فيه، فبعض بلغة قريش، وبعض بلغة هذيل، وبعض بلغة هوازن، وبعض بلغة اليمن وغيرهم، وبعض اللغات أسعد به من بعض، وأكثر نصيبا.
وبهذا التحرير يتبين لنا فرق ما بين هذا القول والقول السابق.
وقد اختلف القائلون بهذا في بيان اللغات السبع، فقيل: إنها متخيرة من لغات أحياء العرب كلها، وقيل: كانت في (مضر) خاصة، وقيل: في قريش، قال الحافظ في الفتح: قيل: نزل بلغة مضر خاصة، لقول عمر: نزل القرآن بلغة مضر، وعين بعضهم- فيما حكاه ابن عبد البر- السبع من مضر، إنهم: هذيل، وكنانة، وقيس، وضبة، وتيم الرباب، وأسد بن خزيمة، وقريش، فهذه قبائل مضر تستوعب سبع لغات.
وقال أبو حاتم السجستاني: نزل بلغة قريش، وهذيل، وتيم الرباب والأزد، وربيعة، وهوازن، وسعد بن بكر.
واستنكره ابن قتيبة واحتج بقوله تعالى: {وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ} فعلى هذا تكون اللغات السبع في بطون قريش وبذلك جزم أبو علي الأهوازي.
وهكذا نرى أن بعض العلماء يرى أن اللغات السبع في العرب كلها، وقيل: في مضر، وقيل: في قريش، وأنهم اختلفوا في تعيين السبعة، مما يدل على أنه ليس في هذا نقل صحيح تطمئن إليه النفس وما احتج به ابن قتيبة لقوله غير مسلم؛ فقومه هم العرب لا قريش خاصة والله قال: {إِنَّا أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا} ولم يقل: قرشيّا.
وهذا القول- الرابع- مردود بما يأتي:
1- أن هذا القول بعيد غاية البعد عن الروايات التي ذكرناها في صدر البحث، كما أنه لا يتفق هو والأصول التي استنتجناها منها، لأنه يقتضي أن القرآن أبعاض؛ كل بعض بلغة وهذا لا يتأتى فيه رفع الحرج والمشقة، والتيسير والتسهيل، إذ كل قبيلة مكلفة شرعا بقراءة القرآن جميعه، وفهمه والعمل به، فهو لا يحقق الغرض الذي لأجله نزل القرآن على سبعة أحرف.
2- وأيضا فلو كانت الحروف السبعة على ما ذكروا لما تأتى اختلاف بين الصحابة في الألفاظ على ما جاءت به الروايات من اختلاف عمر وهشام وأبيّ بن كعب وابن مسعود وعمرو بن العاص مع آخرين.
وكيف يتأتى اختلاف إذا كان المنزل لفظا واحدا والمقروء واحدا فهذا القول يلزم منه رد كل الروايات الصحيحة الواردة في هذا الباب، ودون ذلك خرط القتاد وصعود السماء!
3- ما استند إليه القائلون به من أن القرآن يشتمل على ألفاظ غير لغة قريش لا يصلح أن يكون دليلا؛ لأننا كما قلنا سابقا إن هذه الكلمات مما تخيرتها قريش من لغات غيرها واستعملتها، فصارت بالاستعمال قرشية، أو أن هذه الألفاظ مما توافقت فيها لغة قريش ولغة غيرهم.
4- ما استندوا إليه من عدم فهم ابن عباس وعمر لبعض الألفاظ القرآنية لا يصلح دليلا لهم أيضا؛ إذ اللغة واسعة وليس بلازم أن يحيط الإنسان بكل معاني لغته وألفاظها، وقد قال الإمام الشافعي في الرسالة: لا يحيط باللغة إلا نبي.
على أننا قد ذكرنا أن في القرآن ألفاظا كانت في الأصل غير قرشية، ثم صارت قرشية بالاستعمال فجائز جدّا أن تكون بعض الألفاظ ليست كثيرة الاستعمال عند قريش، وليست معروفة لبعضهم فمن ثم خفيت على بعضهم دون بعض.

.القول الخامس:

إن المراد بالسبعة الأحرف: الوجوه التي يرجع إليها اختلاف القراءات وقد ورد في هذا آراء متقاربة لأربعة من العلماء، وسنعرض هذه الآراء الأربعة ثم نناقشها بمرة؛ إذ جميعها تجمعها رابطة قوية، ووشيجة متشابكة.
قال ابن قتيبة في أول تفسير مشكل القرآن: وقد تدبرت وجوه الاختلاف في القراءات فوجدتها سبعة:
الأول: ما تتغير حركته ولا يزول معناه ولا صورته مثل: {وَلا يُضَارَّ كاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ} بفتح الراء وضمها.
الثاني: ما يتغير بتغير الفعل مثل قوله تعالى: {ربنا بعّد بين أسفارنا} و{رَبَّنا باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا} الأول بصيغة الطلب، والثاني بصيغة الماضي.
الثالث: ما يتغير بنقط بعض الحروف المهملة مثل ثم ننشرها ونُنْشِزُها الأول بالراء المهملة والثاني بالزاي.
الرابع: ما يتغير بإبدال حرف قريب المخرج من الآخر مثل: {طَلْحٍ مَنْضُودٍ} و{طلع منضود}.
الخامس: ما يتغير بالتقديم والتأخير مثل: {وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ} و{وجاءت سكرة الحق بالموت}.
السادس: ما يتغير بالزيادة والنقصان مثل: {وَما خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى} و{الذَّكَرَ وَالْأُنْثى}.
السابع: ما يتغير بإبدال كلمة بكلمة ترادفها مثل: {كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ} و{كالصوف المنفوش}.
قال ابن قتيبة: وكل هذه الحروف كلام الله تعالى نزل به الروح الأمين على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال ابن الجزري: وهو حسن إلا أنه قد فاته- كما فات غيره- أكثر أصول القراءات كالإدغام والإظهار، والإخفاء والإمالة والتفخيم، والمد والقصر وغير ذلك مما هو من اختلاف القراءات، وتغاير الألفاظ، وقد اختلف فيه أئمة القراء، وقد كانوا يترافعون بدون ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم ويرد بعضهم على بعض.
ولكن يمكن أن يكون هذا من القسم الأول، فيشمل الأوجه السبعة على ما قررناه.

.القول السادس:

ما قاله في بيان وجوه الاختلاف الإمام أبو الفضل الرازي في كتاب اللوائح، قال: الكلام لا يخرج عن سبعة أوجه في الاختلاف:
الأول: اختلاف الأسماء من إفراد وتثنية وجمع، أو تذكير وتأنيث.
الثاني: اختلاف تصريف الأفعال من ماض، ومضارع وأمر.
الثالث: وجوه الإعراب.
الرابع: النقص والزيادة.
الخامس: التقديم والتأخير.
السادس: الإبدال، ويدخل تحته إبدال حرف بآخر، وإبدال كلمة بأخرى.
السابع: اختلاف اللغات كالفتح والإمالة والترقيق والتفخيم والإدغام والإظهار ونحو ذلك.
قال الحافظ في الفتح: وقد أخذ- الرازي- كلام ابن قتيبة ونقحه.